د.أحمد خالد توفيق يبدع: اقوى إعلامي في مصر 1
فى المدرسة الابتدائية، وفى العصر الذى كانت المعلمة فيه تدعى (أبلة) قبل أن تتحول إلى (ميس)، كانت هناك معلمة أقرب إلى الشراسة اسمها عفاف. كانت أبلة عفاف تغضب وتضرب أولا ثم تفكر بعد ذلك.. وكانت لها سياسة ثابتة فى العقاب: «الضربة اللى ما تطرقعش ما تحسبش». وفى ذلك اليوم الأسود انهالت ضربا بالمسطرة على طفلة فى الصف الثانى، وكانت النتيجة أنها هوت على وجه الطفلة بطريق الخطأ فأحدثت جرحا قطعيا مخيفا جوار العين. أصيبت المرأة بهلع طبعا لكنها حاولت التماسك. راحت تربت على رأس الطفلة الباكية الدامية وتقول لها: «هذه غلطتك يا حبيبتى.. أنت جريت فتعثرت واصطدم وجهك بحافة السلم الحادة!»ـ
هكذا راحت تعيد القصة على الطفلة مرارا. وفى النهاية حدث شىء غريب.. لم تعد الطفلة واثقة مما حدث فعلا. حقيقة أن المعلمة مزقت وجهها قد ذابت وسط فوضى من الذكريات المختلقة، والأغرب أن هذا حدث لنا كذلك نحن الأطفال شهود القصة، والأغرب والأغرب أن المعلمة بدأت بعد قليل تعتقد أن هذا ما حدث فعلا.. لقد كونت ذاكرة زائفة
الخلاصة أن الطفلة لما ذهبوا بها إلى مكتب ناظرة المدرسة لعمل الإسعافات الأولية واستدعاء أهلها، لم تكن تعرف سوى أنها ارتكبت خطأ جسيما. وبالفعل تلقت الكثير من اللوم على عدم حرصها
تذكرت هذه القصة بشدة وأنا أرى وسائل الإعلام تمارس ذات اللعبة على نطاق واسع هذه الأيام
من الواضح طبعا منذ أيام الثورة الأولى أن هناك أطرافا عديدة يهمها أن تفشل.. هناك لوبى كامل من أصحاب الثروات وأصحاب المصالح أيام مبارك، الذين دخلوا فى شقوق تحت الأرض وراحوا ينتظرون اللحظة المناسبة للانقضاض من جديد.. تلك اللحظة التى جاءت بسرعة فعلا. وهو ما نطلق عليه الثورة المضادة أحيانا
من ضمن أساليب الثورة المضادة كما عرفنا جعل الناس يتعبون من الثورة ويشعرون أنها أفقدتهم الأمان ومصادر الرزق، لكن أخطر الأساليب التى أعرفها سياسة تذويب الخط الفاصل بين الأسود والأبيض للوصول إلى اللون الرمادى
من الغريب أن هذه السياسة تنجح أكثر مما توقعنا.. فى البداية كنت أعتبر الأمر مثيرا للسخرية، لكن الزن على الآذان أقوى من السحر. مثلا الشك فى حركة «6 أبريل» بدأ كدعابة ومكالمة هاتفية من صحفية كاذبة تتصل بمذيعين فى «المحور»، ثم كلام يقال كدعابة عن حظاظة وائل غنيم، ثم ظل يتردد حتى وجدت مثقفين يسألوننى عن صحة عمالة الحركة للخارج، وصحة أنهم تلقوا تدريبا فى الصرب.. إلخ…. طبعا كان عمر عفيفى من أوائل من أعلنوا أن الثورة كلها تتم بتعليمات يلقيها عبر جهاز «اللابتوب» الخاص به. لديه جهازان ومايك فى الحقيقة وهذا كاف جدا للقيام بثورة بهذا الحجم
هناك من يتساءل فى حيرة عن موقعة الجمل وعن كون الإخوان هم الذين دبروها. منذ عام ونصف كان الأسود أسود والأبيض أبيض، وكان لى أصدقاء فى الميدان.. قالوا إنهم كانوا موشكين على الانهزام ثم جاء شباب الإخوان بتنظيمهم ولياقتهم العالية فأنقذوا الموقف. أنت تعرف أننى لا أحمل مودة كبيرة للإخوان لكن الحق يجب أن يُقال. اليوم يتم تذويب الفاصل بين الأبيض والأسود وتتكون ذاكرة زائفة تقول إن الإخوان هم من صنعوا موقعة الجمل. ليسوا المنتصرين فيها بل من دبروها!ـ
رأيت فيلم فيديو يثبت أن دهس المتظاهرين بسيارة الشرطة أو السيارة الدبلوماسية خطة مدبرة من قبل. والدليل أن الكاميرا كانت جاهزة والتقطت المشهد مبكرا جدا. أى أن المتظاهرين دبروا عملية دهسهم حتى يحرجوا الشرطة! محاولة أخرى لتذويب الأسود والأبيض بحيث لا يبقى سوى الرمادى ويرتبك الناس.. بينما تفسير ذلك ببساطة هو أن الحوادث كانت كثيرة وما لم نره أكثر.. يمكن ضرب ما رأيناه فى عشرين.. وجود كاميرا فى المكان المناسب وفى الوقت المناسب لم يعد معجزة خصوصا فى زمن كاميرا الموبايل. ابنى قام بتصوير سيارة شابين تنقلب وترتطم بكشك فى شارع بطنطا وتقتل ابنة البائع.. لو رفع هذا الفيلم على «يوتيوب» لقالوا إنه اتفق مع صاحب الكشك على تدبير جريمة للولدين، طمعا فى الحصول على تعويض.. من المستحيل أن تكون الكاميرا جاهزة فى هذه اللحظة بالذات
هناك حرب إعلامية شرسة على الإخوان هذه الأيام، وبالطبع يرحب بها أعداء الإخوان السياسيون. تذويب الحدود بين الأسود والأبيض مستمر، وها هى ذى قناة «الفراعين» تقدم فيلم ذبح من أفلام القاعدة التى تملأ النت، يتم فيه ذبح رجل مقيد، مع ترديد الكثير من الأدعية والتكبير كأنها عملية نحر خروف. تقول القناة إن الإخوان هم الذين يذبحون الرجل! يا أخى اختلف مع الإخوان كما تريد لكن ليكن ذلك بعقل وبمنطق. هل سمعت أن الإخوان يذبحون خصومهم السياسيين من قبل؟ قد يبدى القارئ دهشته لأننى مختلف مع الإخوان بشدة، لكنى لا أؤمن بطريقة «الباكيدج» هذه: خصمى ليست له أى مزية، وحليفى ليس فيه أى عيب.. ما دمت مختلفا مع الإخوان فهم يأكلون الأطفال.. هل هذا منطق؟
قبل الانتخابات الأولى كانت «الفراعين» تهاجم عبد المنعم أبو الفتوح، فعرضوا فيلما عن فكر ابن لادن وتاريخه.. ما العلاقة بين الرجلين؟
المهم أن إعلام أبلة عفاف مستمر ونشط جدا.. مع الوقت ينسى الناس أنهم تلقوا ضربة مزقت وجههم، ويعتقدون أنهم أخطؤوا.. يعتقدون أنهم هم الذين سقطوا على الدرج وجرحوا أنفسهم.. يجب تحويل كل شىء إلى الرمادى. يجب جعل الناس غير واثقة من شىء. يبدو أننا لم نفهم الأمر جيدا. ربما كان مبارك ممتازا ونحن لا نعرف
عندما قال طلعت زكريا فى أيام الثورة إن التحرير مباءة لتعاطى المخدرات وممارسة الرذيلة، كان كل شىء واضحا والأسود أسود والأبيض أبيض، ولهذا تلقى الكثير من الهجوم. اليوم صار كل شىء رماديا وبدأ بعض الناس يقولون إن أشياء كثيرة تحدث فى خيام الاعتصام فى التحرير. أعنى أن ما جعل الناس يلفظون طلعت زكريا منذ عام لم يعد يبدو لهم منفرا بهذا الشكل
لم أكن أعرف أى شىء عن قناة «الفراعين»، إلا عندما رأيت تلك المواجهة الفكرية بالغة العمق التى سقط فيها البرادعى بجدارة. لم يعرف عدد أعواد الجرجير فى الربطة ولا مدة تزغيط البطة ولا سعر برك البقرة فى السوق. بدا لى الأمر نوعا من الدعابة الظريفة ومادة جاهزة ليلتهمها باسم يوسف بأسنانه
بعد عام ونصف من الزن المستمر على الأذن بدأت أفطن لحقيقة مهمة جدا.. هذا الرجل -توفيق عكاشة- يزداد أهمية يوما بعد يوم.. بالفعل هو أهم إعلامى فى مصر.. وسوف يحدد رئيس البلاد القادم.. بل سوف يحدد تاريخ مصر لفترة لا بأس بها.. وللحديث بقية..
د. أحمد خالد توفيق
شكرا على المجهههود
ردحذف