جاسوس ''سوبر مان''
بقلم - خالد البرماوي:
تخيل لدقائق بأنك جاسوس ''ولعياذ بالله''، والمفترض انك محترف، لكى تغامر دولتك بأرسالك لواحدة من أهم الدول ذات القيمة الخاصة لبلدك الام، وفى توقيت بالغ الحساسية والخطورة، زد على ذلك، أن أغلب دول العالم حذرت رعاياها من السفر لهذه الدولة – سواء قبل او اثناء مهمتك -، اى ان الاجانب تقريباً فى خطر..
ولم يلاحظ احد فين ارسلك، أن ملامحك ولغتك تكشف أنك أجنبي ابن ام أجنبي.. وبطبيعة الحالة دورك سيكون وفقاً لمنطق الجاسوسية الطبيعي، اما جمع معلومات، او مهمة محددة، مثل اغتيال، او الحض على الاغتيال، او حتى إشعال نيران الفتنة أو التسبب في ازمة.. وزرع قلاقل كمان، لو عندك وقت !!
ولأنك جاسوس خارق للعادة، ستنجح فى هذه المهمة.. قبل أن تفيق من تقمص دور الجاسوس، أريد أن اطرح عليك سؤال بسيط.. هل وأنت الجاسوس المحترف ''السوبر مان''، ستقوم بالتقاط الصور التذكارية لك.. وانت تلهو وتلعب وتزرع القلاقل؟.. حتى لو فعلت ذلك من باب التباهي والمنظرة، امام زملاتك الجواسيس، من باب تعزيز ال''سي في'' الخاص بك فى عالم الجاسوسية.. هل ستنشرها على ''فيس بوك''، وستحتفظ بهذا الوثائق التى تدينك على الكمبيوتر الخاص بك؟.. ألم تسمع يا جاسوس عن تشفير المعلومات والصور والفيديو.. ألم يزودك جهاز المخابرات الذى تنتمي اليه بهذه الادوات، ولا انت جاسوس ''اولد فاشون'' !!
ربما تكون الرواية الرسمية، حول الجاسوس الاسرائيلي، إيلان تشايم جرابيل، منطقية ومقبولة عند الكثير من افراد الشعب المصري، وانا هنا لا اكذبها، ولا استبعد ان ترسل اسرائيل جاسوس؛ بل وجواسيس.. ولكني مثل اغلب جمهور الانترنت، اتشكك- وهذا حقي- من تفاصيل هذه القصة.. بالطبع ليس حباً في الجاسوس، ولكن احتراماً لعقول الشعب المصري، واحتراما للثورة ومن قام بها، ودفع ثمنها.
لا اعتقد ان الشعب المصري رغم طيبته بهذه السذاجة؛ واجهزة الامن، رغم حالة الميوعة والانفلات التى تعانيه، بهذه الغفلة، لتسمح لنفر واحد اجنبي - مهما كانت قدراته الجهنمية الفذة- ان يدخل فيشعل الفتنة تلو الأخرى.. وينتقل بمنتهى الحرية من التحرير للأزهر لإمبابة للازبكية، لا لكي يرصد وينقل كما نعرف عن مهام الجواسيس، ولكن ليقود ويحرض و''يزرع القلاقل'' كما ذكرت الرواية الرسمية.
حتى فى خيال اعرق كتاب الجاسوسية الذين عرفتهم مصر، وهو الكاتب المبدع، نبيل فاروق، صانع شخصية رجل المستحيل، ادهم صبري، التي تربى عليها وعلى مغامراتها البطولية، الكثير من شباب السبعينيات والثمانينات فى مصر.. لا اعتقد ان خياله – وكان واسعاً جدا- كان سيصل به لهذه المرحلة من الشطط، ليصور لنا جاسوس يخترق شعب بأكمله، فيشعل ثورة، او يساهم في اشعالها، او يفسدها.. عذرا علي هذا التشتت، فالروايات حول دورة فى الثورة متضاربة !!
بالله عليك، لا تهينوا عقولنا.. نصدق انه جاسوس، وانه اخترق كل اجهزتنا الامنية، طوال ثلاثة او اربعة اشهر، وانه صَاحب بل وجند العشرات معه.. ولكن لا تقولوا لنا.. انه اشعل الفتن، واجتمع بالسلفيين والاخوان، وخطب في الناس في الجوامع، وزار المعبد اليهودي، ودخل الكنائس المصرية.. وقاد المظاهرات والهتافات امام قسم الازبكية، لا تُضحكوا علينا العالم.. وترددوا ان هذا ''العَيل'' ساهم فى.. الوقيعة بين المسلمين والاقباط.. وبين الشعب والجيش.. وبين الشعب والشرطة.. فهل نحن سذج ''مخترقون'' لهذه الدرجة ؟!
مرة اخرة، انا لا اكذب حكاية القبض على الجاسوس، ولكن اتشكك في تفاصيلها، رغم يقيني ان اسرائيل هي العدو الاول لنا، وطبيعي جدا ان ترسل جواسيسها - واتمنى ان نكون نقوم بالمثل- ولكن الخوف كل الخوف، ان تكون هناك نوايا خفية وخبيثة، تريد أن تعزز ''هجايص'' ما يقال عن الثورة المصرية المخترقة، والتي كان اخر مسلسلاتها، جاسوس ايراني، ثم اسرائيلي، ولو كنا نقدر على الامريكان، لكان لدينا الان جاسوس امريكي !
اقول هذا، لأنني اشم رائحة ''مش لطيفة''، رائحة تذكرني بعصر المختلين عقلياً الذين يقومون بحوادث الفتنة الطائفية، والماس الكهربائي الذي يشعل النيران.. هناك امر غريب يحدث، هناك حملة شبة منظمة ضد الثورة ومن قام بها، هناك من يريد أن يوقع بين الشعب وشباب الثورة، ويسئ لسمعة ثورة مصر البيضاء.
واظن، وبعض الظن اثم ، واتمنى من قلبي أن اكون مخطئاً، ان هذه الحملة تتم برعاية شبه رسمية؛ ليس عبر تشويه الثورة بصورة مباشرة، فَهم اذكي من ذلك.. ولكن بترك المجال مفتوحاً، لمن هب ودب، لينشر الاكاذيب والافتراءات، دون دليل او سند، لترسيخ فكرة عَمالة الثورة لدول اجنبية، وتحديداً أمريكا واسرائيل وايضاً ايران.. لتوحد الثورة المصرية فى حدث تاريخي بين مصالح هذه الدول الثلاثة المتنازعة.. ورغم ان هذا ضرب من الخبل.. ولكن للأسف البعض يصدقه.
ولا الوم فقط على من ترك الباب مفتوحاً، لفلول النظام السابق، لكي يعودا من جديد ليبثوا سمومهم فى عقول الناس.. ولكني الوم ايضاً على شباب الثورة، لمساهمتهم فى نجاح هذا المخطط، بالوقوع فريسة سهلة لهذه الحملة المغرضة.. وذلك لانشغالهم بقضايا فرعية وخلافات داخلية تافهة، جعلتهم يتقوقعون في ميدان التحرير، سعياً لاقتسام كعكة لم تنضج بعد.. يفكرون فى مرحلة ما بعد الثورة.. بنفس تفكير وآليات الثورة.
خلص الكلام.. واتمنى ان تبحثوا عن تعليقات شباب تويتر، ورأيهم في القبض علي هذا الجاسوس، الذين اطلقوا عليه ''الاهبل''، لأنه يملك حساب على ''فيس بوك''، ويضع عليه كل معلوماته وصورة الشخصية.. تعليقات الشباب ليس فقط تنم عن خفة دم معهودة، ولكن عن ذكاء واداراك ان في مصر جيل يفهم ويعي ان الدنيا تغيرت.. وأن اساليب الجاسوسية اصبحت اعمق واكثر ذكاءاً من شغل جيمس بوند.. وعلى فكرة هذا الجيل هو من هدم نظام مبارك.. ولكنه للأسف توقف عند الهدم.. ولم يسارع للبناء.
تعليقات
إرسال تعليق
أرجو عدم كتابة أي تعليق مسيء للأديان أو مخالف للآداب العامة وأعد بنشر ما سوى ذلك مهما كان